أثر العملية التعليمية على شخصية المتعلم في المجتمع الفلسطيني
Publication Type
Original research
Authors
  • علياء العسالي

إن التربية  عبارة عن عملية يتم من خلالها إعداد الإنسان للحياة بالحياة نفسها فمن خلالها ينتقل الإنسان من فرد إلى شخصية في سنوات عمره الأربع الأولى فهو يخضع لعمليات من التنشئة الاجتماعية غير الرسمية تعمل عبر هيئاتها الاجتماعية كالأسرة والرفاق والجيران والبيئة المحيطة على نقل المضمون من التراث الثقافي الذي يعده ليصبح بعد عامه الخامس أو السادس عضواً اجتماعياً مقبولاً ومعترفاً به في مجتمعه يحمل عاداته وتقاليده وقيمه ومعاييره الأساسية.
 
وبعد ذلك تبدأ هيئة أخرى للتربية بالقيام بدور جديد يترك أبعاداً أخرى على شخصية هذا الإنسان ولكن الدور هذه المرة هو رسمي حيث تقوم عليه هيئات تختلف عن سابقتها في الجانب غير الرسمي وهي هنا بشكل رئيسي ومباشر، المدرسة وتقوم المعاهد والجامعات بإكمال الدور المنوط بها.
 
علينا توضيح جانب مهم في سياق الموضوع وهو أن الجانب غير الرسمي للتربية يعبر في الغالب عن فكر وذات المجتمع بثقافته المتوارثة عبر أجيال المجتمع الواحد فهي لا تخضع لسيطرة مباشرة تقيد دورها الأساسي في إعداد الفرد للحياة في مجتمعه وفق المعايير التي يحددها هذا المجتمع، في حين أن الجانب الرسمي من الثقافة هو في الغالب جانب مسيّس يخضع للسيطرة من قبل جهة ما تعمل من خلاله على تحقيق أهدافها بأشكال وطرق غير مباشرة بحيث تعد أجيالاَ تحمل مواصفات لشخصيتها تنسجم والمرحلة والأهداف المرغوبة من قبل الجهة المسئولة فلا عجب إذن عندما نتكلم عن المدرسة الفلسطينية أن نتحسس الكثير من المؤشرات التي تعمل في مضامينها على إعداد شخصية لا تنسجم وصفات الشخصية التي تهدف إليها التربية غير الرسمية.

فالمدرسة الفلسطينية خاصة كأهم مؤسسة تربوية رسمية تقوم عليها السلطة، تلك السلطة التي لم تكن فلسطينية وطنية فيما سبق فمنذ عام 1917 مرورا بعهد الانتداب حتى عام 1948 ثم مرورا بحقبة المملكة الأردنية الهاشمية 1967 وحقبة الاحتلال الإسرائيلي التي ما زلنا لغاية اليوم نتلمس بصماتها في عمليتنا التعليمية فكان النظام التعليمي عبر تلك السنوات وبشتى مراحله يدار ويعطى للفلسطينيين لا وفقا للثقافة الوطنية بل وفقا لأهداف السلطة الحاكمة في حينه.
 
فالتربية الرسمية الفلسطينية متمثلة بالمدرسة لم يحدث أن كانت أهدافها فلسطينية وطنية (الفلسفة التربوية) ولا مناهجها وطرائق تدريسها كانت تخدم سياستها فنحن نعلم مدى الأهمية التي تقع على عاتق المدرس وأسلوبه في تنفيذ المنهاج حيث أن المدرس بعامله الذاتي (شخصيته)يمتلك من القدرة ما يكفي على سد الثغرات الممكن مواجهتها في مادته التدريسية التي حددت معالمها ومحاورها وأهدافها سلطات غير وطنية فالطريقة كما يقول كلباتريك هي ساق من سيقان التربية والتعليم والساق الأخرى هي المنهج فلا تستطيع عملية التعليم من السير على ساق واحدة إن أهملت الطريقة فليس للمنهج والمواضيع الدراسية أية قيمة إذا لم تنفذ بطريقة مثلى، إذ أن منزلة الطريقة التدريسية من المنهج والمواضيع الدراسية كمنزلة المكائن والآلات في معمل ما من المواد الخام الموجودة فيه فلا يستطيع العمال التصرف بهذه المواد إن لم تتوفر لديهم الآلات والمكائن كما أن المدرس لا يستطيع التصرف بالمادة والموضوع تصرفا يؤدي به إلى الغاية المنشودة إذا لم يكن هناك تصميماً وطريقة ما.
 
المدرس أيضا يستطيع استخدام أو إتباع ما يسمى بالمنهج الخفي الذي عرفه ذياب عيوش بأنه "ما يقوله المعلم لتلاميذه والآباء لأولادهم وبناتهم والتلاميذ لبعضهم بعضاً ومن خلال القراءات الحرة والمواد التي تصل إلى الطلاب بطرق الاتصال غير الرسمية"، فأثر المنهج الخفي في نقل الثقافة خاصة الشعبية، منها يفوق اثر المنهج الرسمي أو لعله يناقضه دائما في واقعنا الفلسطيني ويقف منه الموقف الرافض ومن أهم عناصر المنهج الخفي هي عناصر التراث الشعبي السياسي والثقافي من أغنية وقصيدة ونشيد، لكن المدرسة الفلسطينية اجتهدت وبشكل ملفت للنظر أن تنقل التراث العالمي والثقافة الواقعية العلمية واللغة القومية والآداب والفنون الرسمية وتعميق الانتماء الوطني والحس القومي، وليس من أهدافنا رسم صورة للإجراءات البريطانية والإسرائيلية ضد التعليم والمؤسسة التربوية خاصة منذ عام 1948 إلى اليوم بل يكفي ما تم من اعتقال لطلاب وأساتذة وإداريين وإغلاق لمدراس وإطلاق النار على طلبة..الخ.

Journal
Title
مجلة تسامح ، ع (1)، ص99 - 105
Publisher
--
Publisher Country
Palestine
Publication Type
Both (Printed and Online)
Volume
--
Year
2003
Pages
--