الملخّص التّنفيذي
في فلسطين، وباستثناء بعض الهيئات المحلية في مجال خدمات المياه، يتم تقديم الخدمات الأساسية المتعلقة بالماء والكهرباء والاتصالات والمواصلات، بشكل رئيسي، من خلال القطاع الخاص، في حين تتم الرقابة عليه من قبل هيئات حكومية مختلفة (سلطة المياه الفلسطينية، سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية، هيئة تنظيم الاتصالات الفلسطينية، وغيرها) استحدثتها السلطة الوطنية الفلسطينية. من المفترض أن تقوم الحكومة بوضع وإنفاذ اللوائح والمعايير للخدمات الأساسية، والإشراف على عملية الترخيص والتسجيل لمقدمي الخدمات من القطاع الخاص، ولعب دور حيوي في مراقبة امتثال مقدمي الخدمات للّوائح والمعايير المعمول بها، وإنشاء آليات لحماية حقوق المستهلك ومعالجة المظالم المتعلقة بالخدمات المقدمة.
على الرغم من الجهود الحكومية لإنشاء هياكل حوكمة وأطر تنظيمية للخدمات الأساسية، فإن هناك تحديات مستمرة في الإدارة الفعالة والإشراف والمساءلة لهذه القطاعات في فلسطين، بحيث تؤثر قضايا مثل محدودية تطوير البنية التحتية، والقيود المفروضة على القدرات، والاستدامة المالية، والتنسيق بين السلطات ذات الصلة، على الأداء العام للمرافق العامة وكفاءتها. أيضاً، لا تزال هناك تحديات في نظام حماية المستهلك في فلسطين، مثل محدودية الوعي بين المستهلكين بحقوقهم، والحاجة إلى آليات إنفاذ أكثر فعالية. إدراكاً لأهمية حماية المستهلك في فلسطين، من الضروري إجراء تقييم لآليات حماية المستهلك القائمة، ومدى استجابتها لأبرز الممارسات الفضلى في هذا المجال. من خلال هذا التقييم، يمكن تحديد نقاط القوة ومجالات التحسين والثغرات المحتملة في تدابير حماية المستهلك الحالية.
لذلك، تهدف الدراسة إلى تقييم فعالية آليات الرقابة والمساءلة الحالية على الخدمات الأساسية التي يديرها القطاع الخاص، وتحليل الإطار القانوني الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وتحديد الثغرات واقتراح الإصلاحات. كما تسعى إلى تقييم الوضع الحالي لآليات حماية المستهلك وتحديد نقاط القوة والضعف والثغرات في النظام، وتطوير خارطة طريق لتحسين هذه الآليات بما يعزز حقوق المستهلكين، ويزيد ثقتهم في السوق الفلسطيني. تغطي الدراسة أربعة قطاعات رئيسية: الاتصالات، الكهرباء، المياه، النقل، وتركز على فهم الفجوات الموجودة في الأنظمة الحالية، مع تقديم توصيات قابلة للتنفيذ لتحسين مستوى الخدمات المقدمة، وضمان حقوق المستهلكين.
تعتمد الدراسة على منهجية مختلطة تجمع بين الأساليب الكيفية والكمية. في الجزء المتعلق بتقييم آليات الرقابة على مرافق الخدمات الأساسية، يتم الاعتماد على مراجعة الأدبيات المحلية والدولية وإجراء مقابلات معمّقة مع الجهات ذات العلاقة. أما في الجزء الخاص بتقييم نظام حماية المستهلك، فيتم استخدام استبانة أفراد لتقييم مدى رضا المواطنين عن النظام الحالي وتحديد الفجوات الموجودة.
وجدت الدراسة أن هناك حاجةً ماسةً لتحسين آليات الرقابة وحماية المستهلك في فلسطين لضمان تقديم خدمات أساسية ذات جودة عالية، وتعزيز حقوق المستهلكين. يتطلب ذلك تطوير الإطار القانوني والتنظيمي، وتحسين الشفافية والمساءلة، وتعزيز القدرات المؤسسية، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما يجب أن تتضمن الجهود رفع مستوى الوعي بين المواطنين، وتطوير نظام شكاوى فعال يتيح للمستهلكين حماية حقوقهم بشكل كامل. تعكس هذه التوصيات أهمية تعزيز الثقة بين المواطنين ومقدمي الخدمات، ما سيسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين. أيضاً، أظهرت الدراسة الأهمية الحيوية لمرافق الخدمات الأساسية في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين، حيث تلعب هذه المرافق دوراً رئيسياً في تحسين نوعية الحياة ودعم النمو الاقتصادي. كما تُعد الإدارة الفعالة والرقابة على هذه المرافق، أمراً جوهرياً لضمان تقديم خدمات موثوقة وبأسعار معقولة ومستدامة للمواطنين.
النتائج المرتبطة بتقييم الآليات الحالية القائمة المتعلقة بالرقابة على مقدمي الخدمات الأساسية
قطاع الاتصالات
على المستوى الرقابي، كانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات طوال الأعوام السابقة الجهة الإشرافية والرقابية الوحيدة على الشركات التي تقدم خدمة الاتصالات للمواطنين، وهي تجمع بذلك بين أدوار وضع السياسات وتنفيذها والرقابة عليها. صدر قرار بقانون في عام 2009 خاص بإنشاء هيئة تنظيم قطاع الاتصالات (كمنظّم ومراقب مستقل لقطاع الاتصالات)، إلا أن مجلس إدارة الهيئة لم يتم تشكيله سوى مؤخرا في بداية عام 2023.
من المتوقع أن تلعب الهيئة دوراً وازناً في عملية تعزيز مبدأ المنافسة والسعر العادل لخدمات الاتصالات والإنترنت، وتقليل درجة تركز السوق، وذلك بعد أن يتم وضع اللوائح التنفيذية لمهام كل من الهيئة والوزارة بما يضمن منع التداخل في المهام والصلاحيات، ونقل الموظفين العاملين في مجال تنظيم قطاع الاتصالات من الوزارة إلى الهيئة حتى تتمكن من البدء بأعمالها، وإضافة بعض الطواقم المتخصصة وفقاً لاحتياجاتها ومهامها المنصوص عليها قانوناً.
قطاع الكهرباء
على الرغم من وجود جسم رقابي لكافة أنشطة قطاع الكهرباء متمثلاً بمجلس تنظيم قطاع الكهرباء، إلّا أن صلاحيات المجلس الرقابية تقتصر على 75% من البلديات والمجالس المحلية، فيما يتم متابعة باقي البلديات عن طريق وزارة الحكم المحلي، بحيث لا يكون للمجلس سلطة عليها ولا يمكن طلب تقارير أو متابعات يومية منها، الأمر الذي يؤدي إلى تدني جودة خدمة الكهرباء المقدمة للمواطنين وزيادة تكلفتها.
عدم استقلالية مجلس التنظيم سياسياً واقتصادياً بالشكل الكافي، وعدم وضوح مدى تحقيق الاستقلال المالي فيه، وعدم اكتمال الإطار القانوني للصلاحيات الممنوحة له في مجال إصدار الرخص، إضافة إلى وجود بعض البنود الفضفاضة في القوانين التي تنظم العلاقة بين سلطة الطاقة ومجلس التنظيم وشركات التوزيع، كلها قضايا تؤثر سلباً على الدورين التنظيمي والرقابي لمجلس تنظيم قطاع الكهرباء، الأمر الذي يتطلب تطوير الأطر القانونية ذات العلاقة باستقلالية وصلاحيات المجلس الرقابية والإدارية والمالية.
قطاع المياه
يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على جزء كبير من مصادر المياه الفلسطينية، ما يفرض قيوداً كبيرة على قدرة الجهات الفلسطينية على إدارة هذا القطاع بفعالية. تتولى سلطة المياه الفلسطينية مسؤولية تنظيم القطاع، ويتولى مجلس تنظيم قطاع المياه المسؤوليات الرقابية عليه.
يعاني المجلس من نقص الكوادر البشرية اللازمة لأغراض مراجعة وتطبيق التعرفة الموحدة، إضافة إلى وجود العديد من التساؤلات حول صلاحيات المجلس الرقابية على التسعير، ومدى استقلاله في قرارات التنسيب لمجلس الوزراء، ومدى كفاءته في عملية مراجعة طرق احتساب التعرفة من قبل المزودين وفقاً لنظام التعرفة الموحد، إضافة إلى وجود إشكالية في عملية الرقابة على جودة مصادر المياه والشبكات والخزانات والعيون.
المطلوب إعطاء مجلس تنظيم قطاع المياه كامل الصلاحية لتطبيق دوره الذي يمكّنه من اتخاذ القرارات اللازمة دون تأثير من الجوانب السياسية والاقتصادية، وتنظيم عملية الرقابة على جودة مصادر المياه والشبكات والخزانات والعيون، والتنسيق بين مجلس تنظيم قطاع المياه وسلطة المياه ووزارة الحكم المحلي من أجل العمل على استكمال فصل الحسابات المالية لخدمات المياه عن باقي حسابات المجالس المحلية المزودة للمياه، ومعالجة ضعف قدرة بعض المجالس المحلية على مراقبة واحتساب العمليات والتكاليف التشغيلية لشبكات المياه، وزيادة الكادر البشري المؤهل في مجلس تنظيم قطاع المياه.
قطاع النقل
يخضع قطاع النقل لإشراف وزارة النقل والمواصلات، إلا أن هناك تحديات تتعلق بتطوير البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. حيث يفتقر قطاع النقل والمواصلات إلى بيئة تنظيمية ورقابية متكاملة تضمن فصل المهام السياساتية والصلاحيات الرقابية التي منحها القانون بالكامل لوزارة النقل والمواصلات، حيث تتولى دائرة مراقبة المرور في الوزارة مهام الرقابة والتفتيش، دون أي استقلال مالي وإداري لها.
وتبرز العديد من الإشكالات الرقابية في القطاع تشمل آليات متابعة تسعيرة أجرة الراكب في وسائل المواصلات المختلفة خلال فترات التضييقيات والإغلاقات، ومتابعة إقرار أو إلغاء تنفيذ إلزامية العدادات مسبقة الدفع في سيارات الأجرة، وضبط الرقابة على المركبات الخصوصية التي تعمل في مجال نقل الركاب بشكل غير قانوني، واستكمال خطط معالجة الخطوط الضعيفة التي تخدم تجمعات سكانية صغيرة (خاصة في مناطق الأغوار والمناطق المهمشة).
هناك حاجة إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير هذا القطاع، وضمان تقديم خدمات نقل فعالة وآمنة، واستحداث مسمى "مجلس تنظيم قطاع النقل والمواصلات" ليتولى مهام الرقابة ومنح التراخيص، واعتماد آليات ونشرات محدثة للرقابة على تسعيرة أجرة الراكب خلال فترات الإغلاقات والحواجز العسكرية الإسرائيلية، مع ضرورة متابعة موضوع المركبات الخصوصية التي تعمل بشكل غير قانوني بنقل الركاب، إضافة إلى رفع قدرة وزارة النقل والمواصلات على أداء دورها الرقابي في ظل غياب مجلس تنظيم القطاع.
قدمت الدارسة خارطة طريق لتعزيز الرقابة على مقدمي الخدمات الأساسية، ومن أبرز عناصرها:
النتائج المرتبطة بتقييم ملاءمة وفعالية نظام حماية المستهلكين في السوق الفلسطيني
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة؛ سواء من خلال مسح رضا المستهلكين، أو المقابلات المعمّقة مع الجهات ذات العلاقة، التي يمكن تقسيمها إلى:
قدّمت الدارسة خارطة طريق لتحسين نظام حماية المستهلكين في السوق الفلسطيني، ومن أبرز عناصرها: