مقدمة:

إن المقصود من تطوير القانون الجنائي التوصل إلى القضاء أو على الأقل التقليل من نسبة الإجرام في المجتمع، والرفع من مستوى الأمن الاجتماعي، والنجاح في نشر الأمان ومحو الرعب لدى المواطنين بالعمل بكل الوسائل المشروعة للقضاء على ملكة الإجرام من النفوس البشرية، ولا يتأتى هذا إلا بتطبيق سياسة جنائية عادلة ومعقولة بحيث تطبق العقوبة المناسبة على الجريمة المناسبة.

وقد كانت الشريعة الإسلامية السباقة في هذا المجال، إذ قسّمت الجرائم وعقوباتها إلى حدود وقصاص وتعزير، وقد أسفر التطبيق الفعلي لها إلى تحقيق العدل والأمن في المجتمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن صحابته بعده، كيف لا وهي تستمد مصدرها من القرآن الكريم والسنة النبوية. ومع توالي الأزمنة وضعف الوازع الديني بدأ التخلي عن العقاب الشرعي بوصفه بالقاسي واللاإنساني، وأصبحت عقوبة قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وغيرها مستحيلة التطبيق بسبب ضعف هيبة الحكم والقضاء اليوم، مما نجم عنه في المقابل تصاعد رهيب للإجرام في كل أنحاء العالم، فاستعصى على الحكومات التصدي له.

أما وبعد أن تعطّل تطبيق الشرع في المجال الجنائي، وفشلت سياسة العقاب الوضعي على وجه الأرض، طفق الكل يبحث باستمرار عن حلول بديلة تعمل على إصلاح العدالة الجنائية، ومن بين هذه الحلول تقنية السوار الالكتروني التي ظهرت حديثا مع التطور التكنولوجي الذي اقتحم مجال القانون الجنائي، حيث أُريد استبدالها بالعقوبة السالبة للحرية، وقد اخترعتها الحاجة إلى تخفيف الضغط على السجون التي امتلأت بنزلائها فلم تعد تقدر على تحقيق مقاصدها.

وتعتبر الجزائر أول بلد عربي يلجأ لتقنية السوار الالكتروني، كما حذت حذوه دول أخرى كالسعودية والإمارات، وبغض النظر عن الحاجة التي دفعت العالم إلى استحداث هذه التكنولوجيا كضرورة مسايرة التطور التكنولوجي في المجال الجنائي، وضرورة حل مشكل الاكتظاظ في السجون، أو حتى الحكم بعدم فعالية العقوبات التقليدية في تحقيق العدالة الجنائية؛ فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: ما الذي يضمن امتثال المحكوم عليه ارتداء السوار الالكتروني طيلة فترة العقوبة؟ ألا يمكن لمجرم مارق التخلص من السوار والفرار من المراقبة الإلكترونية؟ وما مدى فعالية هذه التقنية المستحدثة في تطوير السياسة العقابية؟

وعلى صعيد آخر، تجدر الإشارة إلى أن العقوبة السالبة للحرية تملك مقاصد بالغة الأهمية في تحقيق الردع الجنائي المطلوب لتوفير سياسة جنائية فعالة في حماية المجتمع من الإجرام، وإذا تم استبدالها بعقوبة تكنولوجية مستحدثة فيفترض في هذه الأخيرة مادامت بديلة أن تحقق نفس مقاصد العقوبة الأصلية، وألاّ تفرط في أي منها، فهل نجحت تقنية السوار الالكتروني في تحقيق مقاصد عقوبة الحبس الاحتياطي؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب البحث والتمحيص المعمق في تقنية السوار الالكتروني ومدى شرعيتها وتحقيقها لمقاصد العقوبة السالبة للحرية؛ كما تتطلب من جانب آخر القيام بدراسة ميدانية بخصوص تجربة السوار الالكتروني للإحاطة بمدى فعاليتها ومدى مساهمتها في إصلاح السياسة العقابية.

Conference Title

الملتقى الدولي الافتراضي الموسوم ب(القانون الجنائي في ظل التطور التكنولوجي - اشكالات ومعالجات-

Conference Country

Algeria

Conference Date

Sept. 28, 2022 - Sept. 29, 2022

Conference Sponsor

جامعة الجزائر- كلية الحقوق