ان فهم الابعاد السياسية والاستراتيجية لنتائج المواجهة الاخيرة بين دولة الاحتلال والشعب الفلسطيني ، تتطلب من المحلل سبر اغوار المرحلة التي سبقت المواجهة ، حيث ان ادراك الابعاد والقدرة على تفعيلها بحاجة الى هضم البيئة والامكانيات من ناحية ومن ناحية ثانية ادراك الاتجاهات والديناميكيات التي تتحكم في الفاعلين السياسيين ، وتساعدهم او تحد من قدراتهم .
فمنذ اتفاق اوسلو استطاع الاحتلال ان يضبط ايقاع العلاقة بينه وبين الفلسطينين ضمن مجموعة من المحددات والتي افرزت العديد من المظاهر السياسية وبني عليها نتائج استراتيجية ومن اهم هذه الضوابط :
اولا: هندسة الديمغرافيا الفلسطينية ضمن مجموعات فلسطينية تمثل اقليات لها مطالب حياتية معينه ومتنوعة " فلسطينيو الداخل، سكان الضفة الغربية وقطاع غزة , سكان القدس ، وفلسطينيو الخارج " وتمثل البعد الاستراتيجي لهذه الهندسة في قضيتين : الاولى وهي منح الاحتلال القدرة الكاملة في التحكم في ادارة الصراع من ناحية ، وكذلك جعل الهدف النهائي للعلاقة هو الحكم الذاتي ، حيث انه وفقا للقانون الدولي الاقلية تمتلك حكما ذاتيا وليس حق تقرير المصير .
ثانيا : انتقال الفلسطينين من موضوع التحرير الى مشروع التمسك بموضوع الدولة ، وبشكل نرجسي وغير واقعي ، وهذا مكن المشروع الصهيوني من اقامة دولة واحدة باكثر من نظام والية تحكم ، فهو نظام عنصري في الداخل الفلسطيني ، ونظام احتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ونظام ديمقراطي لليهود في اسرائيل ، ونظام صهيوني توراتي للمستوطنين في الضفة الغربية .
ثالثا:اصبحت قدرات اي فاعل سياسي فلسطيني في قيادة الشعب الفلسطيني ، تعتمد على وجوده داخل منظومات التحكم الصهيونية وذلك من خلال وجوده داخل السلطة الفلسطينية ، المتحكم بها بالكامل من قبل الاحتلال ومنظوماته الاقتصادية والسياسية والجغرافية .وهذا كذلك حجم من قدرات القوى السياسية الفلسطينية على احداث التغيير ، بل ان محاولتها للقيادة اصبحت تلزمها على تقديم تنازلات .
رابعا: نزعت المرحلة عن الصراع ابعاده القانونية والاخلاقية ، فبدل ان يكون الصراع صراع مع الاحتلال ومنضبط وفقا لقواعد العدالة الدولية والضوابط الناظمة للشعوب تحت الاحتلال ، اصبح الصراع اشكاليات تفاوضية وتضبطه علاقات سياسية ، وهنا تم تغييب البعد الدولي للصراع من ناحية وتاكل التعاطف الدولي ومركزية القضية الفلسطينية في السياسات الدولية .
بني على هذه الضوابط مجموعة من الظواهر التي حدت من قدرة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية على احداث التغيير ، _بالتاكيد لم تتوقف ديناميكيات الفعل الفلسطيني ولم تستسلم لهذه المحددات ، ولكن بقيت عاجزة عن احداث التغيير المطلوب فلسطينيا _ ومن اهم هذه الظواهر :
1_ غياب المشروع الوطني الموحد والمتفق عليه من الكل الفلسطيني ، بل عدم القدرة على التفكير واجتراح الاليات القادرة على توحيد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ضمن تمايزات الحيزات[1] الجغرافية التي يتواجد بها الفلسطينيون.
2_ التكلس في النظام السياسي الفلسطيني ، وعدم قدرته ليس فقط في قيادة مشروع التخلص من الاحتلال ، بل وكذلك في ادارة الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني على مختلف الصعد .
3_عدم قدرة الشعب الفلسطيني على اجتراح نموذج مقاومة تتكامل به مختلف فئات الشعب الفلسطيني ن بل ان كل مشاريع المقاومة ورفض الاحتلال خلال الفترة تميزة اما انها حكر على فاعل سياسي معين ، او انها تاخذ شكلا واحدا من اشكال المقاومة ، ولذا دائما كانت النتائج متواضعه ، او لم تستطع ان تحدث تغييرا استراتيجيا .
4_على مدار الفترة السابقة كانت اللسطة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية عبأ على مشروع التحرير ، حتى انها تحولت لعبأ على المواطن الفلسطيني والقوى السياسية .
5_ وظفت اسرائيل انجازاتها واغتنامها للحالة الدولية والعربية لمضاعفة الشعور الفلسطيني بالعجز ، وحالة الالهاء بتفاصيل هنا وهناك على الرغم من اهميتها في كثير من الاحيان .
بناء على ماسبق مثلت المواجهة الاخيرة بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال محطة فاصلة في الكثير من هذه الضوابط ، وكذلك سيكون لها ابعادا سياسية واستراتيجية على كل الحالة الفلسطينية وهذا ما سيتناوله الجزء التالي من الورقة ، حيث ان الورقة ستركز على ما يتعلق بالبعد الداخلي الفلسطيني على الرغم من ان عملية الفصل في النتائج هي عمليه قصرية لاغراض البحث العلمي ولتمكين المحللين من البناء على النتائج ، حيث ان هناك تداخل عضوي بين النتائج على مختلف مستوياتها العربية والدولية والاقليمية والداخلية ، فكلاهما يؤثر في نمو الاخر وبالذات عندما يتعلق الموضوع بالنتائج ذات الاثر البعيد وتطورها واستثمارها بالشكل الصحيح .
كما انه ولسهولة فهم النتائج سيتم تقسيمها الى نوعين من النتائج ، الاول: وهي النتائج التي تحققت سواء اثناء المواجهة او مباشرة بعد توقفها، والثاني : وهي النتائج التي بحاجة الى استثمار لما حققته المواجهه ويشترط تحقيقها بتوفر مجموعة من المحددات
[1] الحيز ، هو مصطلح استخدم للدلالة على المكان الذي يتواجد به الفلسطينيون حيث ان التواجد الفلسطيني يتعدى فلسطين.