السؤال الكبير الذي يفرض نفسه في دنيا الصحافة والإعلام: هل يوجد إعلام مستقل؟ هل يوجد صحافة مستقلة؟
والجواب بسيط برأيي: لا يوجد صحافة مستقلة.
والسبب هو أن الصحافة هو مجال إنساني، له علاقة بالإنسان من حيث التفكير، والمشاعر، والتجارب، والميول، والآراء. وتخضع الصحافة لكل تلك الأمور. فالصحافة ليست أمرا مجردا أو محايدا مثل العلوم الطبيعية، بل تخضع لميول الصحفي واتجاهاته.
لكن في الوقت نفسه، يوجد صحافة مهنية بدرجات متفاوتة. بمعنى أن تخضع الصحافة إلى معايير مهنية، تقترب أو تبتعد عن الحقيقة المجردة (وهي الحقيقة الغير موجودة في الواقع، بل تخضع لرؤية الإنسان). ويمارس الصحفي المهنية وفق المعايير التي درسها وتدرب عليها ومارسها في حياته المهنية. وفي نهاية المطاف، يكون العمل الصحفي مهنيا كلما اقترب أكثر من معايير المجتمع الذي تنتمي إليه تلك العملية الإعلامية.
وبالتالي: تتسع المهنية في الصحافة وتضيق باتساع قدرة الانسان على التجرد وتحكيم معايير المهنية التي تعلمها ومارسها.
فالصحافة تتأثر، بل تخضع لميول الفرد (الصحفي / حارس البوابة)، وسياسة المؤسسة، وسياسة الدولة، والضغوط الاجتماعية، والمصالح الاقتصادية. وهذه تتفاوت من بلد إلى بلد، ومن مؤسسة إلى مؤسسة، ومن إنسان إلى إنسان.
ولذلك، نجد أن درجة استقلالية الصحافة تتفاوت من بلد إلى بلد، ومن مؤسسة إلى مؤسسة، وحتى من صحفي إلى آخر.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الصحافة الاستقصائية، والتي تمثل نموذجا مثاليا للصحافة المستقلة.