الآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيان معادي في نظر القانون الدولي الإنساني
نوع المنشور
بحث أصيل
المؤلفون
  • Fadi Shadid
النص الكامل
تحميل

أثار إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة كيان معادي، العديد من التساؤلات حول مدلول العبارات والنوايا التي تنوي إسرائيل تحقيقها من هذا التصريح، وكذلك مدى صحته هذا المصطلح من الناحية القانونية والآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيان معادي.

من أجل تحليل هذا الموضوع والتعرف على أبعادة القانونية في نظر القانون الدولي الإنساني: سوف نناقش هذا الموضوع في ثلاث محاور أساسية:

 ففي المحور الأول نتعرض الى الوضع القانوني لقطاع غزة في نظر القانون الدولي الإنساني، ومدى صحة وصف قطاع غزة في الكيان المعادي.

أما المحور الثاني: نتعرض الى تجريم استخدام القوة أو التهديد بها في قطاع غزة .

أما المحور الثالث والأخير نتعرض الى الآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيان معادي في نظر القانون الدولي .

المحور الأول : الوضع القانوني لقطاع غزة في نظر القانون الدولي الإنساني ، ومدى صحة وصف القطاع بالكيان المعادي 

يعتبر قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أراضي فلسطين التي انتهت عنها الانتداب البريطاني يوم 15/5/1945، بحيث كان من نتائج حرب عام 1948 أن ظل قطاع غزة تحت السيادة العربية الفلسطينية مع خضوعه لرقابة وحماية القوات المصرية في فلسطين في حين خضعت الضفة الغربية لحكم الأردن وذلك الى غاية الاحتلال الإسرائيلي للقطاع غزة والضفة الغربية في 5-جوان-1967. بحيث أصبحت فلسطين أراضي محتلة واقعة تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية. 

 ويعتبر الاحتلال من الناحية القانونية حالة ضمن حالة الحرب أو النزاع المسلح الدولي التي يمثل المجال الطبيعي لانطباق القانون الدولي الإنساني  [1]، والتي  تمتاز قواعده بكونها قواعد وأحكام قانونية عرفية تم جمعها وتقنينها في  سلسلة متعاقبة زمنياً من الاتفاقيات الدولية الجماعية، تأتي على رأسها لائحة لاهاي لعام 1899 ، المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية  [2]، ثم تلتها اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12/8/1949 . إضافة الى جملة من القواعد والأحكام المنصوص عليها في متن أحكام بروتوكول جنيف الأول لعام 1977، والمكمل لاتفاقيات جنيف الأربعة، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة .

حيث أن هذه الاتفاقيات بما تضمنته من نصوص وأحكام فهي جاءت لتنظيم حالة الاحتلال الحربي، التي تهدف إلى تأكيد الفوارق الجوهرية بين احتلال الإقليم احتلالاً حربياً وبين ضم هذا الإقليم وامتلاكه نهائياً، وتأكيد على عدم ضم الإقليم المحتل طوال فترة حالة الاحتلال الحربي،  كما تأكد تلك القواعد على وجوب معاملة المحتل للإقليم وسكانه معاملة حضارية، فضلاً عن تحديد اختصاصات المحتل ومدى سلطاته العسكرية بشأن إدارة الإقليم وكذلك تنظيم العلاقة بين المحتل وبين السكان ودولة السيادة والأطراف المعنية الأخرى  [3]

تتضمن القواعد العامة بان كل اتفاق لا يكون ملزماً إلا لإطرافه  [4]، وتقتضي أيضا إن كل معاهدة دولية لا يمكنها أن تخلق أو تنشئ الالتزامات أو حقوق اتجاه غير الأطراف فيها دون رضا وموافقة هذه الأطراف  [5].

وبما أن قواعد القانون الدولي الإنساني على وجه العموم وقواعد قانون الاحتلال العسكري على وجه الخصوص  قواعد قانونية مقننة ومجموعة من سلسلة متعاقبة من الاتفاقيات الدولية، فان أحكامها بلا شك تكتسب القيمة الملزمة في مواجهة كافة الدول المشاركة في هذه الاتفاقيات [6].

 غير أن هذه الاتفاقيات وبالنظر لخصوصية موضوعها النابع من كونها في الأصل قد وضع لمواجهة وتنظيم الجانب غير السلمي في العلاقات الدولية حيث تنسحب قواعد القانون الدولي الإنساني وعلى وجهه الخصوص اتفاقية جنيف الرابعة، على كل حالات النزاعات المسلحة منذ لحظة بدء العمليات العدائية سواء أخذت الشكل القانوني أو الفعلي الواقع بدون التقييد بالشروط الشكلية لإعلان الحرب، كما تطبق هذه اللاتفاقية أيضاً على الإقليم المحتل، وكذلك على حالات النزاع الغير دولي  [7]، حيث تبين المادة (2) من اتفاقية جنيف الرابعة، مجال انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 149، بحيث جاء فيها << علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحداهما بحالة الحرب، وبطبيعة الحال تسري أحكام وقواعد اتفاقية جنيف في أوقات الاحتلال الحربي، أي على أراضي التي تقع تحت الاحتلال، سواء كان هذا الاحتلال الحربي جزئي أو كلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة >>. كما يتضح من نص المادة الثانية من الاتفاقية، فان سريانها يبدأ منذ اللحظة التي تبدأ فيها العمليات الحربية بشكل فعلي بغض النظر عما إذا كانت هذه العمليات معلنه أو غير معلنه وحتى إذا لم يعترف احد  الإطراف بحالة الحرب، حيث أن النهج الذي أقرته اتفاقيات جنيف يهدف الى تفادي أثار إنكار واقع النزاع على ضحايا ودرء ما لا تحمد عقباه في حالات المواجهة المسلحة وما تخلفه في الميدان وخارجة في وقت  أصبحت فيه وسائل الدمار بالغة الخطورة، فالطرف الذي ينكر مشاركته في الحرب التي يخوضها بشتى الأسلحة والطرق لا يعفيه هذا التنكر من الوفاء بالالتزام بالاتفاقيات الدولية التي التزم بها  [8].

كما أن اتفاقيات جنيف تكون واجبة التطبيق حتى لو أنكر احد الإطراف وجود حالة الحرب، فان رأيه لا يكون له أي تأثير على تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني، فإذا ما حصل اشتباك مسلح ولو بصورة محددة زماناً ومكاناً،  فإن الاتفاقيات تكون سارية المفعول بغض النظر عن المواقف المعلنة لأطراف النزاع  [9] .

كما تتعلق الفقرة الثانية من المادة الثانية المشتركة بين الاتفاقيات الأربع بالاحتلال الذي يدخل ضمن النزاع المسلح الدولي، وأي كان مدى الاحتلال – كامل التراب لإحدى الأطراف المتعاقدة أو بعضه – سواء أصطدم بمقاومة أو لم يصطدم بها، فان الاتفاقيات تطبق في حالات الاحتلال التي وضعت الاتفاقية الرابعة أهم أحكامها  [10] •، 

كما حددت المادة الرابعة الفقرة الأولى نطاق الاختصاص الشخصي للاتفاقية، فعرفت المحميين بأولئك " الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حال قيام نزاع مسلح أو احتلال تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها "، كما أكدت الاتفاقية على عدم نفاذها تجاه مواطني الدول غير الإطراف في النزاع المسلح ( المواطنين الأجانب المتواجدين في الإقليم المحتل بصورة دائمة أو مؤقتة  [11]  . وتشترط المادة السادسة من الاتفاقية تزامن سريان أحكامها عند الوقوع الفعلي للنزاع المسلح وفي حالة الاحتلال الحربي كما أشير إليه في المادة (2)، مما يعني أن تطبيق أحكام الاتفاقية يبدأ فور اجتياح القوات الغازية لأراضي الغير واحتكاكها مع سكان هذه الأراضي من المدنيين .

ويتوقف العمل بتطبيق أحكام الاتفاقية عند انتهاء الاحتلال في حالة الأراضي المحتلة، باستثناء الأشخاص والفئات الذين لم يتم الإفراج النهائي عنهم أو لم يتم أعادتهم الى أوطانهم أو لم يتم إيوائهم بعد ذلك في وقت لاحق . وتستمر هذه الفئات من الأشخاص من الاستفادة من أحكام الاتفاقية والبروتوكول الأول حتى يتم الإفراج عنهم أو أعادتهم إلى وطنهم أو تقرير أقامتهم  [12]  . 

يلاحظ أن اتفاقية جنيف تطبق منذ بدأ  أي نزاع أو احتلال ويتم وقف تطبيق هذه الاتفاقية  في الأراضي المحتلة بعد عام واحد من انتهاء العمليات الحربية بوجه عام، ومع ذلك تلتزم دولة الاحتلال بأحكام بعض المواد  التي تبقى سارية بعد انتهاء العمليات الحربية ما دامت دولة الاحتلال تمارس وظائف الحكومة في الأرضي المحتلة، حيث إن اتفاقية جنيف تميز بين الأحكام المطبقة إثناء العمليات الحربية التي تؤدي إلى الاحتلال والأحكام التي تظل سارية طوال مجمل فترة الاحتلال،  كما يؤكد الفقه الدولي على أن قواعد القانون الدولي الإنساني، تندرج في طائفة القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على كل ما يخالفها، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (60) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969، فبعد أن ذكرت أمكانية التحلل من الالتزامات التي تتضمنها المعاهدات متعددة الإطراف، في حالة إخلال أحد الإطراف بمخالفة هذه الالتزامات، نصت على أن يستثنى من ذلك النصوص المتعلقة بالحماية الشخصية الإنسانية في القانون الدولي الإنساني  [13] . فالقواعد الواردة في اتفاقيات جنيف لقد تم الاتفاق على أنها قواعد أمرة وفقاً لتعريف المادة (53) من اتفاقيات فينا الخاصة بالمعاهدات الدولية  [14]، وبسبب طبيعتها الآمرة تختلف عن القواعد الأخرى في القانون الدولي، ويعني ذلك أن تطبيق القانون الدولي الإنساني لا يخضع لأي شرط كان، فلا يجوز للدولة أن تعلق تطبيق الاتفاقية على قيام الطرف الآخر ببعض الأعمال أو توفير ظروف معينة سياسية أو عسكرية بعيدة عن نصوص الاتفاقيات  [15]  .

وبتطبيق ما ذكر على الواقع الفلسطيني فإن العمليات الحربية التي أدت الى احتلال الضفة الغربية عام 1967 قد انتهت منذ وقت طويل، فان مواد اتفاقية جنيف الرابعة المشار إليها في الفقرة 3 من المادة 6 تظل وحدها السارية في ذلك الإقليم المحتل  [16].  فطالما أن إسرائيل ما زالت تمارس وظائف الحكومة في الضفة الغربية وقطاع غزة ليها أن تحترم النصوص المشار إليها في المادة  (6- فقرة 3)  [17].

وبالرجوع لأحكام وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة، نجد انطباق ماهية ومدلول المفهوم القانوني والفقهي للاتفاقيات الدولية الشارعة على هذه الاتفاقية •، لكونه كما هو ثابت من أحكامها ومبادئها قد وضعت في المقام الأول لخدمة وتنمية المجتمع البشري ككل من خلال تكريسها لجملة من القواعد والمبادئ الهادفة إلى ضمان حماية واحترام حقوق الإنسان الأساسية في ظل ظروف وأوضاع غير اعتيادية (( النزاعات المسلحة )).

ومن جانب آخر بلغ عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أكثر من 191 دولة  [18] مما يحمل دلالة واضحة إلى مدى الاهتمام والتعاطي الدولي مع أحكامها بحيث أصبحت  محلاً لقبول وإجماع شبه عالمي بل لا نغالي ان قلنا بأنه لا يوجد فعلاً أي اتفاق دولي مماثل لاتفاقية جنيف الرابعة من حيث سعة القبول والإجماع الدولي على الالتزام بأحكام، بحيث تم الاعتراف بأحكامه باعتبارها قواعد عرفية تشكل قانون ملزماً، ذو طبيعة آمرة وليس اختيارية، بحيث تنص اتفاقية فينا 1969 بشأن قانون المعاهدات في المادة (60) بان الأحكام التي تحظر الانتقام من الأفراد المحميين الواردة بمثل هذه المعاهدات، تكون لها الطبيعة الآمرة  [19]. وبالنظر الى الطابع المنزه لاتفاقية جنيف ولاهاي، والى القيم السامية التي تدافع عنها، وبسبب عراقتها وانتشار أثرها في العالم كله،  بحيث يمكن لتأكد بان هذه الاتفاقيات قد فقدت الى حد كبير صورة المعاهدات المتبادلة في إطار العلاقات بين الدول وأنها أصبحت تمثل التزامات مطلقة  [20].

تعتبر  اتفاقية جنيف الرابعة، ذات قيمة قانونية ملزمة الى جميع الدول بغض النظر عن مشاركة هذه الدول أم لا، فإسرائيل أيضاً ملزمة بتطبيق هذه الاتفاقية على الأراضي التي احتلاتها لكونها اتفاقية مقننة لقواعد عرفية دولية استقر عليها المجتمع الدولي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لان إسرائيل طرف في هذه الاتفاقية التعاقدية ¨، ولكن نلاحظ إن المواقف الإسرائيلية بشكل عام تتضمن عدم الالتزام بتطبيق الاتفاقية والقواعد والمبادئ التي تحكم الاحتلال العسكري للإقليم المحتلة والمقررة وفقاً لاتفاقيات الدولة والعرف الدول الذي يشكل الركيزة الأساسية لأحكام القانون الدولي  [21] •،

إما بخصوص الادعاء الإسرائيلي القائل، بان مصر والأردن لم يكون بأصحاب سيادة قانونية على الأراضي الفلسطينية، مستنتجة من هذا الادعاء بان الأراضي الفلسطينية ليس إقليماً لطرف سامي متعاقد حسبما تشترط اتفاقية جنيف لتطبيقها ، بحيث  يترتب على انعدام المشروعية القانونية لتواجدهم على الإقليم الفلسطيني، اكتساب التواجد الإسرائيلي اللاحق عليهم للمشروعية ومن ثم يخرج عن دائرة ونطاق كونه احتلالا ليأخذ مركز التواجد الإداري .

إن هذا الادعاء بنظرنا، يفتقر الى ما يبرره على صعيد أحكام وقواعد قانون الاحتلال الحربي، إذ لا وجود أطلاقا لأي نص قانوني يجعل من سريان وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة حال النزاعات المسلحة او الاحتلال، سريانا معلق على رأي الطرف الأجنبي وتكيفه لطبيعة تواجده على أقاليم الغير، أو بمدى اعترافه بشرعية التواجد السابق عليه، لان ذلك سوف ينسف قانون الاحتلال الحربي من أساسة  [22]، ويجعل تطبيق قواعد الاحتلال الحربي على الإقليم المحتل متوقف على مدى اعتراف القائم بالاحتلال بمدى مشروعية وجود الدولة المهزومة في ذلك الإقليم، وهذا ما يعني على حسب المنطق الإسرائيلي إن اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين لم تطبق على المدنيين الفلسطينيين، لان التواجد الأردني المصري على الأراضي الفلسطينية من المنظور الإسرائيلي هو تواجد غير مشروع ولهذا فان الاتفاقية لن تطبق . وهذا يرفضه منطق العقل البشري .

حيث إن هذا الاتجاه تؤكده محكمة العدل الدولية إذ تشير المحكمة بان إسرائيل قد صادقت على اتفاقية جنيف في 6-يوليه 1951 وان إسرائيل هي طرف في تلك الاتفاقية كما إن الأردن هي طرف منذ 29- مايو 1951، وهما إطراف في تلك الاتفاقية عندما نشب الصراع المسلح عام 1967 . وبالتالي ترى المحكمة ان الاتفاقية تسري على الأراضي الفلسطينية التي كانت تقع الى الشرق من الخط الأخضر قبل نشوب الصراع، والتي احتلتها إسرائيل إثناء ذلك الصراع، كما إن المحكمة  تبين بانطباق اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال تفسيرها لما ورد في نص المادة (2) من اتفاقية جنيف الرابعة، بحيث تلاحظ المحكمة انه، وفقاً للفقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية جنيف الرابعة أن الاتفاقية تنطبق عند تحقيق شرطان : أن يكون ثمة صراع مسلح ( سواء اعترف بحالة حرب أم لا )، وان يكون الصراع قد نشأ بين طرفين متعاقدين، وإذا تحقق هذان الشرطان، تنطبق الاتفاقية، على وجه الخصوص، على أي إقليم يجري احتلاله في إثناء الصراع من جانب أحد المتعاقدين .

ولعل الهدف من الفقرة الثانية من المادة ليس تقيد نطاق تطبيق الاتفاقية، حسب تعريفها بواسطة الفقرة الأولى، بان تستبعد منها الأراضي التي لم تندرج تحت سيادة أحد الطرفين المتعاقدين، وإنما جاء من أجل التوضيح وبيان بان الاحتلال حتى لو لم يقابل بمقاومة مسلحة تكون الاتفاقية ما زالت سارية  [23]، وهذا التفسير يتجلى في نية واضعي اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة في حماية المدنيين الذين يجدون أنفسهم بأي شكل كان، في أيدي سلطة قائمة باحتلال، كما يؤكد هذا التفسير الأعمال التحضيرية للاتفاقية، وقد أوصى مؤتمر الخبراء الحكوميين الذي عقدته لجنة الصليب الأحمر الدولية، في إعقاب الحرب العالمية الثانية بغرض إعداد اتفاقيات جنيف جديدة بان تسري هذه الاتفاقيات على أي صراع مسلح "" سواء اعترف أو لم يعترف به بوصفة حالة حرب من جانب الطرفين "" وفي " حالات احتلال الأراضي في غياب أية حالة حرب ""، وعلى ذلك لم يكن في نية واضعي الفقرة الثانية من المادة (2) عندما أضافوا هذه الفقرة من الاتفاقية، تقيد نطاق تطبيق الأخيرة، وإنما كانوا يسعون الى مجرد النص على حالات الاحتلال دون القتال، من قبيل احتلال بوهيميا ومورافيا من جانب ألمانيا في عام 1939 [24] .

وعلاوة على ذلك تلاحظ المحكمة ان الدول الإطراف في اتفاقية جنيف الرابعة وافقت عل تفسير اتفاقيتها في 15يوليه 1999،  وأصدرت بيانا قالت فيه "" بتكرار تأكيد سريان اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية "" وفي وقت لاحق في 5- ديسمبر 2001 أشارت الإطراف المتعاقدة السامية على وجه الخصوص إلى المادة (1)من اتفاقية جنيف الرابعة بانطباقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وذكرت هذه الدول  وكذلك الإطراف المتعاقدة المشتركة في المؤتمر، طرفي الصراع، ودولة إسرائيل بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال  [25]. 

فضلاً عن ذلك ترى محكمة العدل الدولية إن هناك العديد من القرارات والإعلانات التي تؤكد وتبين بان الأراضي الفلسطينية هي أراضي محتلة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تؤكد انطباق قواعد الاحتلال الحربي على تلك الأراضي فنجد منها ما يلي :

ترى محكمة العدل الدولية ان لجنة الصليب الأحمر الدولية لقد أعربت عن رأيها  وأكدت دوما عن سريان اتفاقية جنيف الرابعة بحكم القانون على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 من جانب دولة إسرائيل، وذلك في الإعلان الصادر عنها في 5 ديسمبر  .

كما ان الجمعية العامة قد أخذت في كثير من القرارات موقفاً مماثلا ففي -ديسمبر 2001، وكذلك في 9-ديسمبر 2003 وفي القرارين 56/60، و 58/97 ،  أكدت مجددا "" ان اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة  أغسطس 1949. تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وعلى الأراضي العربية الأخرى التي تحتلها إسرائيل منذ عام المشتركين في الصراع " . كما دعا مجلس الأمن في قراره 271 المؤرخ في 15 أيلول/ سبتمبر 1969 " إسرائيل الى التقييد بدقة بأحكام اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي يحكم الاحتلال العسكري " .

كما أكد مجلس الأمن على سريان اتفاقية جنيف على الأراضي العربية الفلسطينية وذلك في القرارات التالية  (799) المؤرخ 18- ديسمبر 1992 وقرار (904) المؤرخ في 18- مارس    وقرار رقم 1544 الصادر بتاريخ 19-5-2004.

وخير ما نستدل عليه في انطباق اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية ما صدر عن  المحكمة العليا الإسرائيلية في حكمها المؤرخ في 30 – مايو 2004 الذي جاء به "" على انه بالقدر الذي تؤثر به العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي في رفح على المدنيين، إلا أنها تخضع لاتفاقية لاهاي الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907... ولأحكام اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949"  .

ولهذا نرى ان اتفاقية جنيف أرادت ان تسد كل المنافذ والثغرات للتهرب من تطبيق أحكامها، حيث ان المشرع الدولي لم يرغب في معالجة موضوع السيادة، لأنه سوف يضعف من تطبيق هذه الاتفاقية، بل دعا إلى ضرورة الالتزام بتطبيق أحكام الاتفاقية وضرورة احترامها بدون النظر مطلق لموضوع السيادة على تلك الأراضي لمن تكون  .

وعلى هذا الأساس يقع على عاتق إسرائيل، كطرف سامي متعاقد في الاتفاقية  [28]، مسؤولية الالتزام بمراعاتها وتطبيقها، على صعيد الأراضي الفلسطينية، كأراضي خاضعة لاحتلال قواتها، وما تجدر الإشارة إليه، التزام منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً، باتفاقيات جنيف الأربع وأحكام البروتوكولات المكملة كاتفاقيات ملزمة وواجبة التطبيق، على النزاع الدائر بينها وبين إسرائيل  [29].

وهذا الاتجاه لقد أكده (( جون كيجلي )) ان اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على قطاع غزة والضفة الغربية، إذ إن إسرائيل ملتزمة بهذه الاتفاقية إذ أنها وقعت وصادقت عليها و أصبحت طرفاً فيها [30].

إلا إن التساؤل الذي يثور في هذا الإطار، مدى تأثير اتفاقيات اوسلو على الوضع القانونية للمناطق الفلسطينية المحتلة، فهل تنطبق قواعد القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية ؟، وما هو مدى تأثير الانسحاب الأحادي من قطاع غزة على تطبيق قواعد القانون الدولي وخصوصاً اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية ؟.

بناءاً على اتفاق أوسلو الذي تم في تاريخ 13-9-1993 بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبين إسرائيل •، قسمت الأراضي الفلسطينية الى ثلاثة مناطق – المناطق (أ) و (ب) و (ج) – بحيث تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية بدرجات مختلفة (أ) تحت سيطرة إدارية كاملة والمناطق (ج) بدون أي سيطرة، أما المناطق (ب) فهي تخضع لسيطرة مشتركة مع الإدارة الإسرائيلية . وبناءاً على ذلك التقسيم لقد تباينت الآراء حول أثر اتفاقيات اوسلو على قابلية تطبيق قانون الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة  [31].

فمنهم من يرى ان اتفاقية جنيف الرابعة ولائحة لاهاي يجب ان تبقى سارية على المنطقة (ج) بدون المنطقتين (أ) و (ب) على أساس ان السلطة الفلسطينية تتمتع فيها بسلطات هامة بالرغم من ان سلطة الأمن بقيت في نهاية الأمر بيد إسرائيل.

وحجج هذا الرأي ترتكز على ما ورد في نص المادة (6) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة (42) من لائحة لاهاي .

فالمادة (6) تؤكد ان دولة الاحتلال ملزمة بأحكام الاتفاقية " وذلك طوال مدة الاحتلال ما دامت هذه الدولة تمارس وظائف الحكومة في الأراضي المحتلة " .

أما المادة (42) من لائحة لاهاي فهي تؤكد بان "" الإقليم  يعتبر محتلاً عندما يقع تحت سيطرة جيش معادي، وان الاحتلال ( كوضع قانوني ) يشمل فقط الأراضي التي يكون فيها المحتل قد ثبت سلطته الفعلية، وصار قادراً على ممارستها  "" .

أي ان الاتفاقية تصبح وأجبت التطبيق وفقاً لهذه الحجج، وذلك بمجرد وجود السيطرة الفعلية للمحتل على تلك المناطق، وبالتالي فان المناطق (أ) و (ب) لا تعتبر أراضي محتلة نظراً لغياب السيطرة الإسرائيلية الفعلية عليها، وفقاً لما ورد باتفاقية اوسلو  [32]•.

أما الاتجاة الثاني والذي  بدورنا نؤيده : وهو تأكيد تطبيق قانون الاحتلال الحربي على الأراضي الفلسطينية متزامنا مع اتفاقية اوسلو على ان النهاية الفعلية للاحتلال تقتضي بان تتنازل إسرائيل عن كل سلطاتها في كامل المناطق الفلسطينية بما فيها المنطقة (أ) الى السلطة الفلسطينية، إلا إن إسرائيل ما زالت تتمتع باختصاصات الأمن في تلك المناطق وأن نفوذ تلك القوات ما زالت مستمرة في تلك المناطق، ولهذا فان تلك المناطق تبقى خاضعة لقواعد الاحتلال العسكري .

حيث ندعم هذا الرأي بما ورد في أحكام المادة (47) من الاتفاقية الرابعة التي نصت على انه : " لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، ....، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال ..." .

حيث يستخلص من أحكام هذا النص انه لا يمكن لأي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم وبين سلطات الاحتلال أن يؤثر على الحماية التي توفرها الاتفاقية للإفراد المحميين  [33]، وبالتالي تكون للاتفاقية الأولوية على اتفاقيات أوسلو . كما تنص المادة (53) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 في صور ة التناقض أي نص مع قواعد أمرة من قواعد القانون الدولي يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً  [34] .

كما تنص المادة الثامنة من معاهدة جنيف الرابعة على انه " لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى التنازل في أي من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى الاتفاقية أو بمقتضى الاتفاقية الخاصة المشار إليها في المادة السابقة أن وجدت "

ولهذا فان انتقال السلطة من إسرائيل الى السلطة الفلسطينية نتيجة لمسيرة أوسلو، والقيود المفروضة على التدخل الإسرائيلي في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، والمترتبة عن هذا الانتقال، قد تكون قلصت من التزامات إسرائيل بموجب قوانين الاحتلال ولكن لم تؤدي الى انقضائها  [35]. وفضاً عن ذلك فان المادة السادسة من الاتفاقية جنيف الرابعة تنص على بقاء تطبيق أجزاء كبيرة من نصوص المعاهدة (35) طوال مدة الاحتلال ما دامت هذه الدولة تمارس وظائف الحكومة الشرعية في الأراضي المحتلة .

حيث أن إسرائيل كسلطة احتلال، ما زالت تسيطر على معظم عناصر السيادة الداخلية مثل المياه والطرق الرئيسية والأمن وحرية التنقل وعناصر السيادة الخارجية كمعابر والحدود والعلاقات وغيرها ونتيجة لذلك فان الاحتلال ما زال موجود ومسيطر وتطبق قواعد الاحتلال العسكري  [36].

وفضلاً عن ذلك فان الإخفاقات العديدة التي مرت بها مسيرة أوسلو، والتوغلات الإسرائيلية لمناطق (أ) و (ب) وعودة للسيطرة الإسرائيلية على هذه المناطق، وبسط سلطته الأمنية والإدارية ( كحظر التجول )،  والتوغل والقيام بالأعمال الإرهابية في مناطق السلطة الوطنية •، ترجح ان الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة يتراجع الى ما كان قبل مبادرة أوسلو .

كما نلاحظ ان كثرة التوغلات الإسرائيلية وعودة العمليات العدائية ضد المدنيين والأعيان المدنية أدى الى تلاشي اتفاق أوسلو بشكل تام، وعودة الأراضي الفلسطينية الى السيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال مما يجعل الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة تخضع لقواعد الاحتلال الحربي .

أما فيما يتعلق  خطة الفصل الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة – الانسحاب من قطاع غزة - التي تهدف منها إلى إخلاء مسؤوليتها والتنصل من التزاماتها القانونية تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال وفقا لقواعد القانون الدولي، والى إكمال مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، واستكمال بناء الجدار الفاصل، وتهويد القدس  [37]، لا ينفي عن القطاع صفة الإقليم المحتل، حيث لاحظنا انه في صورة وجود الاتفاق بين سلطة الدولة الشرعية وبين المحتل لا يؤثر على الحماية التي توفرها الاتفاقية للأفراد المحميين، فمن باب أولى وأحرى أن تبقى هذه الحماية وان تطبق قواعد القانون الدولي الإنساني في غياب هذا الاتفاق والتنسيق حسب نص المادة (47) من الاتفاقية الرابعة،  حيث انسحبت سلطات الاحتلال من القطاع بدون أي تنسيق مع السلطة الوطنية، كما احتفظت إسرائيل بصلاحيات أمنية واسعة وبقيت مسيطرة على جميع منافذ القطاع  [38]، فضلاً عن قيامها بالعديد من التوغلات تحت ذرائع أمنية كما حصل مؤخراً في بيت حانون في أطار العملية العسكرية المسماة ب " أمطار الصيف" في 28_6_2006  [39].كما جعلت  القطاع خاضع للسيطرة العسكرية والاقتصادية لسلطات الاحتلال، وبقاء الاحتلال مصدر الصلاحيات المدنية والأمنية الممنوحة للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، وعدم سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الميناء البحري والمطار والمعابر، وعدم توفر حرية المرور للمواطنين الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة منه واليه، واحتفاظ إسرائيل بحق أعادة احتلال قطاع غزة تحت ذرائع أمنية ومن المظاهر العملية لبقاء القطاع محتلاً تدخل إسرائيل في أمور مدنية وإدارية في قطاع غزة كتسجيل السكان في السجل المدني، حيث لا يمكن الحصول على بطاقة هوية شخصية دون الحصول على موافقة إسرائيل على ذلك  [40]، وفضلاً عن ذلك يجب على سلطات الاحتلال أن تقوم بإعادة الأسرى الى أوطانهم بدون أي تأخير عند وقف الأعمال العدائية الفعلية وفقاً لنص المادة (118) من اتفاقية جنيف الثالثة، ألا سلطات الاحتلال لم تقم بذلك . كل هذه الأعمال لا يتضمن نقلا للسيادة الى السلطة الفلسطينية كل ذلك يعيدنا الى الوضع السابق قبل الانسحاب الأحادي من قطاع غزة والمتمثل بكون قطاع غزة ارض محتلة وينطبق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني كما أن خطة الفصل الأحادية تتناقض مع ما أكد عليه اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي جاء فيه " ومن المفهوم أن الرتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من العملية الشاملة وأن المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي الى تطبيق قراري مجلس الأمن 242و 238، وهذا يعني اتفاق الطرفين بأن الأراضي الفلسطينية هي أراضي محتلة، ستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى ان يتم التوصل لاتفاق سلام نهائي وتطبقه بالكامل  [41] .

يلاحظ من خلال ما تقدم أن قطاع غزة هو قطاع محتل، ولكن هل سيطرة حزب من الأحزاب السياسية على قطاع غزة ينفي عنه صفة القطاع المحتل ؟

بطبع هذا الأمر ليس له أي تأثير على المركز القانوني لقطاع غزة ، فقطاع غزة قطاع محتل خاضع لسيطرة قوات الاحتلال سواء كان القطاع تحت سيطرة حزب أو تحت سيطرت حكومة ذاتية بموجب الاتفاقيات ولكن - ما هو مدى تأثير وصف القطاع في الكيان المعادي على المركز القانوني لقطاع غزة ؟

لحضنا في الإعلان الإسرائيلي بأنه أعتبر قطاع غزة قطاع معادي برمته أي أن جميع أراضي القطاع وسكانه كيان معادي لإسرائيل، على الرغم من أن هذا المصطلح ليس له أي دلالات في القانون الدولي العام ، إلا ان المصطلح القريب منه هو دولة معادية وليس كيان معادي. فمصطلح كيان معادي هو بدعه إسرائيلية ولهذا كان موقف وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندليز رايس" أكثر احتشاماً وذلك عندما وصفت حركة حماس بالمعادية ولم توصف القطاع بالكيان المعادي.

ولكن لماذا استعملت إسرائيل هذا المصطلح ؟

لعل إسرائيل استعملت مصطلح كيان معادي لتجنب الاعتراف بقطاع غزة كدولة قائمة السيادة، فإسرائيل لا تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية ولا بأي دويلة صغيرة على أي أرض من أراضي فلسطين، لان دلك سوف يجعل لتلك الدولة العديد من الحقوق كالاستقلالية والحدود والسيطرة الأمنية والسيطرة على الغلاف الجوي والبري والبحري.

كما ان إسرائيل تحاول ان تستفيد من هذا المصطلح باعتبار القطاع قطاع معدي لإسرائيل حتى تستطع تتهرب من مسؤولياتها والأعباء المحمولة عليها قطع العلاقات الدبلوماسية والاتصالات وفرض الحصار الجوي والاقتصادي وإغلاق المعابر بدون أي احتجاج أو حتى الاستنكار دولي للإعمال التي تقوم بها

ولكن قبل الخوض في مدى حق الدولة في اعتبار دولة أخرى معادية، ولكن هل يحق لإسرائيل ذلك؟ .

على الرغم من هذا الإعلان المسبق للحرب ألا أن هذا الإعلان غير مشروع وليس له أي أساس من الصحة لأن قطاع غزة إقليم محتل وليس دولة محرره وليس دولة مستقلة وإنما هو واقع تحت الاحتلال .

فوصف القطاع في الكيان المعادي .وهو وصفاً خاطئ وليس له أي أساس من الصحة لأنه كيف يمكن للمحتل أن يصف أرضا يقوم باحتلالها وممارسة السيطرة الفعلية عليها ومن ثم يعتبرها بالكيان المعادي.

قطاع غزة قطاع محتل واقع تحت السيطرة الإسرائيلية مثل باقي الأراضي الفلسطينية.

ويترتب على ما ذكر بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلية ملزمة باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة وتتحمل المسؤولية الكاملة في صورة الإخلال بتلك القواعد ودليلنا على ذلك ما ورد في نص المادة (6) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على انه " يتوقف تطبيق هذه الاتفاقية في أراضي أي طرف في النزاع عند انتهاء العمليات الحربية بوجه عام " وأن دولة الاحتلال تلتزم بأحكام مواد أساسية للاتفاقية طوال مدة الاحتلال، ما دامت هذه الدولة تمارس وظائف الحكومة في الأراضي المحتلة  [42] . 

حيث نلاحظ من خلال ما تقدم، ان الموقف الإسرائيلي الرافض لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الصعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة هو موقف واهي لان تطبيق اتفاقية جنيف تطبق بصورة تلقائية بمجرد وجود حالات أو نشوب العمليات العدائية،  وذلك لان الاعتبارات الإنسانية هي القاعدة المحورية التي تأسس عليها اتفاقيات جنيف، حيث ان هذه الاعتبارات الإنسانية هي التي تستوجب فرض الطابع التزامي المحمول على دول الأطراف وغير الأطراف في الاتفاقية وكذلك أيضا في النزاعات المسلحة غير الدولية كحد أدنى من القواعد الإلزامية لحماية الإنسان بحكم إنسانية .

ونتيجة لهذه الاعتبارات فان الموقف المتنكر للقرارات الشرعية الدولية والرافض لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة هو موقف لا يمكن الاعتداد به وليس له أي أثر قانوني على صعيد أحكام الاتفاقية، بمعنى لا يترتب على امتناع إسرائيل عن تطبيق أحكام اتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة استناداً لما تدعيه من اعتبارات عن إعفاء إسرائيلي من المسؤولية الدولية عن كافة الأفعال والتصرفات التي تمثل القيام بها خرقاً وانتهاكاً ثابتاً لأحكام ومبادئ الاتفاقية.

المبحث الثاني : تجريم استخدام القوة أو التهديد بها ضد قطاع غزة .

بينا في المحور السابق الذكر بأن قطاع غزة قطاع محتله واقع تحت السيطرة الإسرائيلية، فمنطقياً وعرفاً وقانوناً لا يجوز أن نصف قطاع واقع تحت الاحتلال بالكيان المعادي على الرغم من عدم صحة هذا المصطلح.

وفضلاً عن ذلك فان وصف قطاع غزة بالقطاع المعادي هو بمثابة التهديد باستخدام القوة على الرغم من استخدامها في العديد من التوغلات والاعتداءات فإسرائيل تستخدم القوة المفرطة لمواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني الأعزل، فوصف القطاع بالكيان المعادي هي بمثابة إعلان الحرب على هذه القطاع والتهديد باستخدام القوة  جرمته المادة الثانية في الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة

حيث تضمن ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الرابعة من المادة الثانية على تجريم الحرب والاستخدام اللامشروع للقوة كأسلوب، وأداه لتسوية ما قد يثور فيما بين الدول من خلافات، او كأسلوب ووسيلة تلجأ من خلالها الدولة لتحقيق أهدافها ومطامعها حيث حصر الميثاق وسائل تسوية النزاعات والخلافات القائمة فيما بين الدول بالوسائل والأساليب الودية  [43].

حيث أن التجريم الوارد في الفقرة الرابعة من المادة الثانية هو قانوناً عالمياً لجميع الدول والمحرم دولياً لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، بحيث أصبحت هذه المادة قاعدة عرفية ملزمة في القانون الدولي باعتبارها جزء من قانون الأمم المتحدة الذي يحكم العلاقات بين دول العالم جميعها  [44]، إلا ان ما ورد في هذا المادة ليس التجريم المطلق لاستخدام القوة، وإنما تضمن الميثاق بعض الاستثناءات التي أجازها من خلالها للدول، أو لمجلس الأمن الدولي استخدام القوة في العلاقات الدولية .

حيث انه يحق للدولة استخدام قوتها وذلك مستندة إلى حقها في الدفاع الشرعي عن وحدة وسلامة إقليمها الترابي ولرد على ما وقع على إقليمها من عدوان مسلح على ان يكون استخدام القوة هي الوسيلة الوحيدة لدرء ذلك العدوان ومتناسباً معه، ويتوقف حين يتخذ مجلس الأمن التدابير الأزمة لحفظ السلم والأمن الدوليين هذا من ناحية  [45] ¨، ومن ناحية أخرى : يحق لمجلس الأمن الدولي استخدام القوة سواء لرد اعتداء وقع على أراضي دولة من أعضاء المجتمع الدولي، أو لتحقيق مقصد من مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في حفظ السلم والأمن الدولي، فانه يحق للأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن ومعاقبة  المعتدي بما في هذه التدابير من استخدام للقوة وهذا ما يمكن ان نستخلصه من المادة 51، 31،  41،  42 من ميثاق الأمم المتحدة  [46].

فان أي استخدام للقوه بغير الصورتين الواردتين، يعتبر استخدام غير مشروع يترتب عليه، قيام المسؤولية الدولية في حق الدولة القائمة به .

فلهذا فان حالة الاحتلال الحربي، تتعارض كلياً مع نص المادة الثانية الفقرة الرابعة  من الميثاق، لكونها تقوم على استخدام القوى فعلياً من قبل دولة ضد دولة أخرى مما يشكل انتهاكا لسيادة وسلامة أراضيها، وأيضا المساس باستقلالها السياسي، فالاحتلال العسكري ليس إلا نتيجة لاستعمال القوة الأمر الذي أصبح مجرماً في العلاقات الدولية، وبالتالي تأخذ النتيجة نفس التكيف القانوني المحدث لها بان تكون إجراء غير مشروع  [47]، وذلك تطبيقاً للقاعدة العامة ما بني على باطل فهو باطل، فليس من المعقول أن يتم الاعتراف بمشروعية عمل كانت نتيجة اقتراف جريمة، فالاحتلال هو أيضاً ثمرة لحرب غير مشروعة تصف بكونها جريمة ضد السلام والأمن الدولي  [48]، يجرمها القانون الجنائي الدولي التعاقدي والعرفي  [49] . والى جانب المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تجرم استخدام القوة الغير مشروعة، وتجرم ضم الأقاليم بالقوة، تشير أيضاً الى مبدأ ستمسون الصادر عن وزير خارجية الولايات المتحدة سنة 1932بمناسبة الحرب الصينية اليابانية ومحاولة اليابان تكوين جمهورية في منشورياً بعد انتزاعها من الصين، وهو المبدأ القائم على أساس عدم الاعتراف بالتغيرات الإقليمي التي نشأت بالقوة وعدم الاعتراف بالحكومات التي يكون في إنشائها مخالفة للالتزامات الدولة العامة والخاصة  [50] .

، كما ذهب العديد من الفقهاء الى القول بأن الدولة التي تنتهج سياسة عدوانية وتقوم بأعمال وتصرفات غير مشروعة لا يمكن لها المطالبة بالحقوق الدولية المرتبطة بهذه التصرفات، ويترتب على ذلك أن الدولة التي تقوم بحرب غير مشروعة لا تكتسب حقوق المحاربين ولا يمكن لها ممارسة أو اكتساب حقوق تزيد عن تلك التي تتمتع بها في وقت السلم  [51]، كما وجدت العديد من قرارات الجمعية العامة التي تدعم هذا الاتجاه .

فمن هذه القرارات قرار الجمعية العامة (290) في ديسمبر 1949، الذي يعد من العناصر الأساسية للسلم الذي أكد على عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها انتهاكا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة [52]،  وكذلك القرار  3734 الخاص بدعم الأمن الدولي،  بالإضافة الى قرار الجمعية 3314  الخاص بتعريف العدوان، بحيث أدرج هذا القرار الاحتلال والغزو ضمن تعداد الأعمال العدوانية، حيث جاء في المادة الثالثة الفقرة الأولى من القرار (( تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال العدوانية التالية سواء تم إعلان الحرب أو لم يتم وذلك دون الإخلال بأحكام المادة الثانية (( ك:- قيام القوات المسلحة لدولة ما يغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري ولو كان مؤقتاً )) [53]  كما عرفت المادة الأولى من قرار الجمعية العامة (3314) العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة من جانب دولة  ضد سيادة ووحدة الأراضي الإقليمية والاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي طريقة لا تتمشى مع ميثاق الأمم المتحدة .

على الرغم من تحريم استخدام القوة والتهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة . إلا إننا نتساءل متى يمكن اعتبار الدولة معادية ، حتى تتمكن الدولة المعلنة من الاستفادة من هذا الإعلان وتقوم بقطع العلاقات الدبلوماسية .....حتى يمكن أن تعتبر الدولة دولة معادية يشترط أن تقوم بأفعال من شأنها أن تشكل جريمة عدوان

وتعد جريمة العدوان من أخطر الجرائم التي تهدد الأمن والسلم الدولي, على الرغم من خطورة هذه الجريمة إلا أنه لا يوجد تعريف واضحا لها في القوانين والأعراف الدولية ولكن لقد تطرق لها الفقه والقانون الدولي.  

حيث عرف الفقيه الفارو (Alvaro ) العدوان بأنه" كل استخدام للقوة أو التهديدات من قبل دولة أو مجموعة دول أو حكومة أو عدة حكومات ضد أقاليم شعوب الدول الأخرى أو الحكومات أيا كانت الصورة أو السبب أو الغرض المقصود فيما عدى حالتي الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي ضد عدوان مرتكب من جانب قوات مسلحة أو المساهمة في أحد أعمال القمع التي تقودها الأمم المتحدة  [54] .

وفضلا عن ذلك فان العدوان لقد تم تعريفه من خلال قرار رقم 3314/29 الصادرة عن الجمعية المتحدة في 14-12-1974 تحت رقم 3314/1 في المادة الأولى من هذا القرار: 

" أن العدوان استخدام القوة المسلحة بواسطة دولة ضد السيادة أو السلام الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأنه طريقة كانت تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة"  [55]. 

فوفقاً لهذا التعريف فان جرائم العدوان تشمل العديد من الأفعال نذكر بعضها على سبيل المثال وهي قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو أو شن هجوم على أراضي دولة أخرى، أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتاً، وكذلك قيام القوات المسلحة بقصف أراض دولة أخرى  [56]

حيث يلاحظ من هذا التعريف أن جريمة العدوان لا تقع إلا بين دولتين أو أكثر، بحيث يجب ان يكون فعل المكون لجريمة العدوان مستنداُ الى خطة مرسومة من جانب الدولة أو الدول المعتدية ضد الدولة أو الدول المعتدى عليها من اجل المساس بسيادة الدولة المعتدى عليها، أو سلامتها الإقليمية أو استقلال السياسي  [57]، وعادة ما يكون الفعل العدواني قد ارتكن من قبل ضباط عاديين في الدولة ولكن بأمر من رؤسائهم ورؤساء الدول والحكومات, وبالتالي فان هؤلاء هم المسئولون عن فعل العدوان حتى لو لم يقوموا بارتكابه بصفة ذاتية بل بإعطاء الأوامر بالقيام به.

ولكن ما هي الأعمال العدوانية التي قام بها قطاع غزة ليوصف القطاع بالكيان المعادي ، فهل أطلاق الصواريخ جعل هذا القطاع كيان معادية ؟

أن أطلاق الصواريخ والمقاومة هي حق مشروع للسكان المدنيين الواقعيين تحت الاحتلال من اجل تقرير مصيرهم ، فالاحتلال الحربي  له تأثيرا سلبياً على الأشخاص الخاضعين له, فهو يتعارض مع مصالحهم, وتطلعاتهم وأمانيهم الوطنية, وعاطفة ولائهم مما يؤدي إلى قيام السكان واندفاعهم في ثورة جماهيرية عارمة لإزالة الاحتلال كحائل بينهم وبين حقوقهم المشروعة وفي ممارسة حقهم في تقرير المصير.إذ قد يحدث اندفاع سكان الأراضي المحتلة في ثورة جماهيرية عارمة لمقاومة المحتل والتصدي له, دون أن يتمكن القائمون بهذه الأحوال بتنظيم وهيكلة ثورتهم.

وتعتبر ثورة سكان الأراضي المحتلة حق مشروع لهؤلاء السكان ولهم الحق في اكتساب مركز المحارب القانوني, وذلك بغض النظر عما إذا كانت ثورتهم توافرت بها الشروط الواجب توفرها في حركات المقاومة المنظمة.حيث يرى الفقيه (وستليك ) بان سكان الأراضي المحتلة لهم الحق في الثورة ولهم الحق في اكتساب مركز المحارب القانوني شريطة أن يلتزموا بمضمون المادة التاسعة من اتفاقية لاهاي, ويبرر (وستليك) مشروعية ثورة السكان بالاستناد إلى مضمون الاتفاقية, ويرى في هذا الخصوص بان الاتفاقية طالما أقرت بمشروعية حمل السكان للسلاح في وجه القوات الغازية, فانه من المنطقي أن تشمل أيضا ثورتهم في أعقاب الغزو وقيام الاحتلال.ولو كان الأمر غير ذلك لنصت الاتفاقية بشكل صريح على ذلك ( [58]). 

كما يرى (شارل دوي فيشر ) و (كالفو) بأنه ليس لسكان الأراضي المحتلة بالثورة وحسب, وإنما ثورتهم على المحتل واجب مفروض على عاتقهم بحكم رابطة الولاء القائمة والمستمرة فيما بينهم ودولتهم المحتلة أراضيها ( [59]).كما يؤكد البعض على مشروعية ثورة سكان الأراضي المحتلة بالاستناد إلى حق الدفاع الشرعي عن النفس والدولة التي تقع لهجوم مسلح تملك قانونا حق الدفاع الشرعي عن النفس, وحقها هذا قائم ومستمر طالما بقي الاحتلال كذلك(  [60]).  

حيث يقر هذا الاتجاه الحق للسكان المدنيين بالثورة باعتباره،  حق مكتسب, فلا يجوز حرمانهم أو تجريدهم من إمكانية ممارستها, طالما هم ضحية لعدوان غير مشروع ومخالف لأحكام ومبادئ القانون( [61]), حيث إن هذا الاتجاه يؤكد على حق القائمين بها لمركز المحارب القانوني, بغض النظر عن مدى توافر ما تتطلبه الاتفاقية المقننة لقواعد قانون الحرب من شروط. 

كما أكدت العديد من القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة على دولية النزاعات الدائرة بمناسبة حق الشعب في تقرير المصير ,وعلى حق الأفراد القائمين بمثل هذه النزاعات في اكتساب مركز المحارب القانوني ,والتمتع بمركز المحارب القانوني ,والتمتع بمعاملة أسرى الحرب وفق المبادئ المنصوص عليها في متن اتفاقية جنيف الثالثة  [62] .

وقد أكد على ذلك كل من القرار 2383 المؤرخ في 7/نوفمبر /1968, والقرار رقم 2395/المؤرخ في 29 / نوفمبر/1968, والقرار 2446 المؤرخ 19 /ديسمبر/1968الذي أكد على حق الإفراد القائمين على هذه الظاهرة من اجل الحرية في اكتساب مركز المحارب القانوني والتمتع بوضع أسرى الحرب طبقا لاتفاقية جنيف الثالثة .ولهذا فان تنكر إسرائيل لأحقية رجال المقاومة الفلسطينية في التمتع بحقوق المحاربين القانونين وعدم اعترافها بهم يمثل خروجا منها على قواعد القانون الدولي شأنها في ذلك شأن النظام النازي في محاولاته للقضاء على حركات المقاومة في البلاد الأوروبية التي كان يحتلها أثناء الحرب العالمية الثانية  [63]

يلاحظ من خلال ما تقدم انه لا يحق لإسرائيل إعلان الحرب على قطاع محتل ولا يحق لها قطع العلاقات الدبلوماسية وما يقوم بها سكان القطاع هو عمل مشروع بنظر القانون الدولي الإنساني لان حق المقاومة مشروع من اجل تقرير المصير . ولا يمكن تصنيف تلك الإعمال بالإعمال العدوانية ، فلا يحق لإسرائيل إعلان الحرب ولا يحق لها وصف القطاع بالكيان المعادي.

المبحث الثالث: الآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيان معادي في نظر القانون الدولي .

 تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي ان تخدع المجتمع الدولي وذلك لتكسب التأييد والحشد الدولي لصالحها أو على الأقل تجنب الاستنكار الدولي لها . وذلك باعتبار ما يحصل في قطاع غزة بأنه تحت السيطرة حزب سياسي إسلامي متطرف على حسب الادعاء الإسرائيلي الأمريكي ، ليصل الأمر الى وصف القطاع غزة بالكيان المعادي ، و>لك حتى تتملص من الالتزامات القانونية المحمولة عليها بموجب الاتفاقيات الدولية وخصوصاً اتفاقيات جنيف . 

وحتى تستطيع فرض صار وقطع العلاقات الدبلوماسية وعدم تقديم أي خدمات للقطاع كمحاولة لفرض العقاب الجماعي على الشعب الفلسطيني من أجل ر دوخه للمطالب والأطماع الإسرائيلية .

إلا أن هذه الأعمال التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من فرض العقاب الجماعي المخالف لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة ، واستخدام القوة والتهديد باستخدامها المخالف للمواثيق الدولية وللمادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة والقتل العمد والتصفيات الجسدية والاغتيالات وإغلاق المعابر وفرض الحصار الاقتصادي والبري والبحري والتجويع السكان المدنيين، فضلا عن القيام بجرائم الإبادة التي تشكل تهديد لسلم والأمن الدوليين كمجزرة دير ياسين 1948، ومذبحة كفر قاسم 1956، ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكذلك مجزرة بيت حانون 2006، ناهيك عن.تدمير وضم للأراضي، والاستيطان، واعتداء مباشر على الممتلكات الثقافية والدينية، وكذلك اعتداء على المدارس والمؤسسات الخيرية وعلى الأطقم الطبية والصحفيين وغيرها من جرائم الاعتداء على السكان المدنيين .

لا شك أن جميع الأفعال السابقة تعتبر من المخالفات الجسيمة لاتفاقية جنيف الأربع لعام 1949 وخاصة المادة (147) من الاتفاقية الرابعة والتي تعتبر تلك المخالفات وفقاً للمادة (85/5) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977،بأنها جرائم حرب .

وبتطبيق النتائج المترتبة عن قيام المسئولية على دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي تضرر نتيجة الخروقات الإسرائيلية والانتهاكات لأحكام القانون الدولي الإنساني بوجه عام. يترتب على عاتق دولة الاحتلال الإسرائيلي – جملة من الالتزامات القانونية يتعلق منها بالمسؤولية المدنية (أ) والآخر يتعلق بالمسؤولية الجنائية (ب)

أ) تطبيق أحكام المسؤولية المدنية على الجرائم الإسرائيلية  :

*) وقف العمل الإسرائيلي الغير مشروع دولياً : 

 حيث يجب على سلطات الاحتلال إنهاء حالة الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية 242 و 338 فضلا عن وقفها للحصار ووقف مظاهر العنف من الجنود والمستوطنين ووقف عمليات التصفية والقتل العمد  [64], وكذلك الامتناع عن المواصلة والاستمرار في نقل وترحيل رعايا إلى الإقليم الفلسطيني المحتل وأيضا امتناعها وتوقفها عن مصادرة الملكيات الفلسطينية والاستيلاء عليها لغايات الاستيطان وكذلك وقف الاعتداء على الولاية القضائية الفلسطينية، والتوقف عن المحاكمات السريعة للمدنيين الفلسطينيين، والكف عن تعذيب المعتقلين وكذلك من خلال وقف دولة الاحتلال على المواصلة والاستمرار في التعاطي والتعامل مع القوانين الطوارىء وغيرها من الأوامر العسكرية غير المشروعة والمخالفة لأحكام ومضمون اتفاقية جنيف الرابعة، فضلاً عن امتناعها عن إصدار أي تشريعات جديدة بذات النمط  وكذلك الكف عن تخريب الأراضي والملكيات الفلسطينية العامة والخاصة وشق الطرق لفائدة المستوطنات  [65]،  كما يجب عليها وقف تشيد جدار الفصل العنصري، وغيرها من الأعمال التي تشكل انتهاك لالتزامات الواجب على المحتل التقييد بها

* إعادة الحال إلى ما كان عليه ( التعويض العيني): 

حيث يترتب على الشخص الذي اقترف عملا غير مشروع والحق الضرر بالغير أن يقوم بالعمل على إزالة كافة مظاهر هذا الضرر.

لهذا يترتب على سلطات الاحتلال الإسرائيلي إزالة كافة مظاهر هذا الاحتلال خاصة الحواجز العسكري والاغلاقات  [66], وأيضا إعادة رعايا ومواطني إسرائيل المدنيين إلى دولتهم التي قدموا منها  إلى جانب قيامها بفك كافة المستوطنات الإسرائيلية القائمة على صعيد الأراضي الفلسطينية  [67]، بإعادة كافة الممتلكات والأراضي المصادرة لأصحابها.كما يجب على سلطات الاحتلال إلغاء ووقف العمل بتشريعات الطوارئ وغيرها من الأوامر العسكرية المخالفة لأحكام وقواعد القانون الدولي على صعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة، الى جانب قيامها بالإفراج عن كافة المعتقلين المحتجزين  [68]، فضلاً عن إزالة الألغام ومخالفات التدريب العسكرية والتي تلحق إضراراً غير محدودة بالسكان والممتلكات  [69]، كذلك إزالة الحواجز العسكرية والدبابات ورفع الحصار  [70]

** التعويض المالي (جبر الضرر):

في الحالات التي لا يكون التعويض العيني مكن, توجب على سلطات الاحتلال أن تقوم بالتعويض المالي لضحايا أفعالها الغير مشروعة, كالتعويض عن عمليات القتل, والإعدام خارج نطاق القانون وقصف المباني والمنشآت فضلا عن استهلاكها واستنزافها لمقدرات إقليمهم وموارده الطبيعية وثرواته, كما يتعين دفع تعويضات عادلة الى الأشخاص الذين قضوا فترات طويلة في داخل السجن وذلك تتقيداً لأحكام الطوارئ والأوامر العسكرية ,كما يتعين عليها أن تدفع تعويضات مالية للسلطة الفلسطينية عما لحقها من خسائر اقتصادية نتيجة الحصار، وقصف وهدم المباني العامة والمستشفيات ومقار الشرطة والأمن الوطني الفلسطيني  [71]،على أن تكون التعويضات عادلة تتناسب مع حجم الضرر الحاصل سواء المباشر أو غير المباشر.فمثلاً الفلسطينيين الذين عانوا من خسارة مادية أو معنوية نتيجة هدم بيوتهم لهم الحق في الحصول على تعويض من إسرائيل حتى يتسنى لأصحاب البيوت المهدمة من بناء بيوت لهم  [72].

فالضرر المباشر يحصل عند الانتهاك لأحكام القانون الدولي الإنساني الخاص بحالة الاحتلال العسكري مثل الأراضي التي تم مصادرتها ووقع تدميرها واقتلاع أشجارها من أجل بناء المستوطنات. 

أما الضرر الغير مباشر: أي الضرر الذي يحصل بعد تنفيذ الانتهاك بفترة زمنية كأضرار النفايات والمواد السامة التي تطرحها وتخلص منها المستوطنات في الأراضي التي يقطن بها الفلسطينيون, حيث أن أضرار هذه النفايات وآثارها لا تظهر وتتضح بشكل فوري ومباشر وإنما قد يستغرق ظهورها سنوات عديدة, بحيث تؤثر على الإنسان مباشرة أو على البيئة....... الخ  [73].كظهور عوارض أمراض معينة مستقبلاً جراء التعذيب وغيره من الممارسات أو إجراء الاحتجاز لفترات زمنية طويلة.

ولهذا فانه يجب على السلطة الفلسطينية أعداد ملفات قانونية اقتصادية ومالية عن كل الخسائر والأضرار التي لحقت بها خلال انتفاضة الأقصى. ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد عدم تأثير الشق الجنائي من مسؤولية إسرائيل الدولية وحسن وسلامة تنفيذ هذه الدولة لالتزاماتها المدنية، إذ من المسلم به بأن المسؤولية الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلي تبقى قائمة لو نفذت إسرائيل جميع التزاماتها الدولية الخاصة بتعويض ضحايا الفلسطينيين . 

وإلى جانب المسئولية المدنية فان دولة الاحتلال الإسرائيلي تتحمل المسئولية الجنائية نتيجة قيامها بارتكاب الأفعال المكونة لجرائم الحرب.

ب ) تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على إسرائيل :

لا شك أن الاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتعذيب واستخدام الرصاص المتفجر من نوع " دمدم " وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، ومن المحاكمات الغير قانونية، فضلاُ عن إصدار وتطبيق الأوامر والتشريعات الغير قانونية وغيرها من الأفعال الغير قانونية التي تعتبر جميعها من الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وبخاصة المادتين 146،147 منها، كما نصت المادة الخامسة من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية على اعتبار الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات والبروتوكول بمثابة جرائم حرب  [74]. كما ان المادة (88) من نفس البروتوكول أعطى الحق للمتضررين من هذه الانتهاكات الجسيمة ملاحقة الأمرين بارتكاب هذه الجرائم ومنفذيها ومسائلتهم كمجرمي حرب.

كما نصت على هذا الحق وضمنته أيضاً المادة السادسة من ميثاق محكمة نورمبورغ بقولها " ... ويسأل الموجهون والمنظمون والمحرضون والمتدخلون " الشركاء" الذين ساهموا في وضع أو تنفيذ مخطط أو مؤمرة لارتكاب أحد الجنايات المذكورة أعلاه عن كل الأفعال المرتكبة .. "

كما نصت المادة (28) من اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء المنازعات المسلحة، على إلزام الدول الأعضاء في الاتفاقية باتخاذ الخطوات الضرورية لمحاكمته ومعاقبة كافة الأشخاص على اختلاف جنسياتهم الذين يرتكبون أو يأمرون بارتكاب أي انتهاك لإحكام الاتفاقية  [75]. وهذا ما بينته أيضاً المادة 33 من النظام روما الأساسي،  ومن هذا المنطلق يحق للجانب الفلسطيني، استناد لقواعد وأحكام قانون الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي الإنساني عموماً، القيام بملاحقة جميع الأشخاص الذين أمروا بارتكاب هذه الجرائم، سواء كانوا عسكريين أو ساس ورجال دولة، وليس هذا فحسب بل ينسحب هذا الحق أيضاً على منفذي هذه الجرائم، لكونهم قد ساهم في اقتراف مثل هذه الجرائم على صعيد الإقليم الفلسطيني كما تمتد الى المستوطنين وكذلك القضاة لأنهم ساهموا في تنفيذ هذه الجرائم، كما تثير هذه المسؤولية الى جانب ذلك التزامات الدول الأطراف باتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول بملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين عن هذه الجرائم.

 د.فادي شديد       أستاذ مساعد في جامعة النجاح –كلية القانون - القسم العام –القانون الجنائي – القانون الجنائي الدولي

المجلة
العنوان
--
الناشر
--
بلد الناشر
فلسطين
نوع المنشور
Both (Printed and Online)
المجلد
--
السنة
2009
الصفحات
--