إنَّ نظريةَ المسؤولية الجنائية (مفهومها وقيامها وأُسسها ونتائجها وانعدامها وامتناعها) هي نظريةٌ إسلاميةُ المنشأ والمصدر، والتميُّز الأخلاقي، والتفوُّق الحضاري، والسَّبْق التاريخي، ودقة التقنين، تلك النظريةُ التي لم تعرفَ لها البشريةُ مثيلاً. المسؤولية الجنائية هي "التَّبِعةُ التي يتحمَّلُها الجاني، المكلف؛ البالغُ العاقلُ المدرِكُ العالِمُ القاصد الحُرُّ المختار، والإهدارُ الذي يصيبه، والنتائجُ الجزائية التي يستحقها، في كلِّ اعتداءٍ يتعلَّقُ بأرواح الخَلْقِ ودمائهم". إنّ هذا البحثَ يهدفُ إلى الكشف عن حقيقة المسؤولية الجنائية، وجوهرها، وأركانها، وأحكامها، وصورها، ونتائجها، كما أنه يرسم الخطوط العامة لهذه النظرية الرائعة، ويؤكد على ضرورة تطبيقها بشكلٍ رسميٍ عاجل. ويعالج مشكلةَ البحث بالإجابة عن أسئلةٍ مُلِحَّةٍ تدور حول شدةِ خطورة المسؤولية الجنائية، وبيان مدى ارتباطها بأركان الجريمة، ومدى علاقتها بالقصد الجنائي، ومتى تنعدم أو تمتنع، أو يتوقف تنفيذ نتائجها. وقد اتبعتُ في هذا البحث المنهج الوصفي، والتحليلي، ثم الاستنباطي. وقد جاءتْ الدراسةُ في أربعة مباحث، شملتْ: موجزاً حول تميُّز النظام الجنائي الإسلامي، وقيامَ المسؤولية الجنائية، وعلاقتَها بأركان الجريمة، وحالات تخلُّفها، وما يترتب على كل ذلك مِن آثار ونتائج: فخلصت الدراسةُ إلى أن المسؤولية الجنائية تقوم إذا اكتملت أركانُها وشروطُها، وتنعدم إذا انهدم أساسُ التجريم وانقلبتْ صفةُ الفعل المحظور فصار مشروعاً، وتمتنع إذا انهدم أساسُ التكليف ونقصتْ أهليةُ الجاني إدراكاً واختياراً. وقد يسقط التنفيذ إذا عُرِضتْ لها بعضُ الحالات الاستثنائية.